معرفة

بعضها يعود للانتفاضة الأولى: جرائم الثأر تجتاح غزة

كيف ساهمت الحرب والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في انتشار جرائم الأخذ بالثأر في مدن القطاع مؤخراً؟

future صورة تعبيرية: (جرائم الثأر تجتاح قطاع غزة)

يعيش أهالي قطاع غزة أوضاعاً صعبة ليس فقط جراء العدوان والقصف الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر الماضي، ولكن انتشار جرائم الأخذ بالثأر في مدن قطاع غزة مؤخراً وتحديداً جنوب قطاع غزة، جراء صراعات عائلية وعشائرية يعود بعضها لخلافات سياسية وتنظيمية إبان الانتفاضة الأولى، والبعض الآخر وفقاً لشهود عيان تعود لخمس سنوات قبل الحرب الحالية.

وأثار الفراغ الأمني وفقدان حركة حماس زمام الأمور الأمنية في قطاع غزة، وانشغالها بحربها مع العدو الإسرائيلي، حالة من الانفلات الأمني وانتشار جرائم الأخذ بالثأر جراء خلافات عشائرية وعائلية وسياسية، وجرائم قتل أخرى جراء خلافات يومية على المياه والأمور المعيشية التي أنتجتها حالة التكدس والنزوح المستمر.

وكشف عدد من شهود العيان في شمال وجنوب ووسط قطاع غزة، عن تفاصيل جرائم الأخذ بالثأر خلال الأشهر الماضية في منطقتي دير البلح وخانيونس.

كل المشاكل الصغيرة تكبر بسبب الانفلات الأمني

في البداية، قال «س. أ» مواطن فلسطيني من شمال غزة نزح أكثر من 17 مرة منذ بداية الحرب الحالية من الشمال إلى الجنوب وصولاً إلى دير البلح في الوقت الحالي، إنه خلال الأسبوع الثاني من أغسطس الماضي وقعت أربع جرائم قتل في دير البلح، منها حالتا أخذ بالثأر لخلافات عشائرية قديمة من قبل الحرب الحالية.

وأضاف في تصريحات خاصة لموقع «كروم»، أن أحد المواطنين كان جالساً بجوار خيمته وفي أقل من ثانية تحول لجثة هامدة، بعد أن قام أحد الأشخاص بذبحه بسلاح أبيض، جراء خلافات ثأرية قديمة تعود لسنوات طويلة، وانتهز فرصة الحرب الحالية وحالة الفراغ الأمني وقام بذبح الرجل، مستدركاً: «هذه ليست الحالة الأولى التي تقع خلال الحرب الحالية، لكن هناك عشرات الحالات وربما مئات جرائم الأخذ بالثأر، انتشرت بسبب الظروف الأمنية المتدهورة لأبعد الحدود».

وتابع المواطن الفلسطيني: «قطاع غزة لم يرَ مثل هذه الظروف من قبل، حتى في ظل الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 حتى 2005، طوال هذه الأعوام الطويلة ما شاهدنا مثل تلك الحالة لأنه خلال تلك السنوات كان الاحتلال المسئول عن الأمن وضبط الحالة الأمنية»، مستدركاً «اليوم لم يعد موجوداً من يحكمنا، لا مقاومة ولا أمن ولا شرطة ولا أجهزة أمنية ولا حتى في احتلال يضبط هذا الأمر، وبالتالي أصبحت غزة مسرحاً للخلافات والاشتباكات التي تصل بأوقات كثيرة إلى اشتباكات بالأسلحة على أسباب تافهة جداً تسفر عن وقوع قتلى ومصابين».

وأكد «أ» على وجود حالة انفلات أمني رهيبة وانتشار الأسلحة بين المواطنين، وخاصةً «البواريد» الأسلحة الرشاشة. قبل يومين وقع خلاف بين عائلتين كبار وتم غلق الأسواق وأغلقت طوال اليوم بسبب خلافات ثأرية قديمة بين العائلتين، إحدى هذه العائلات قُتل منها شخص قبل الحرب بسنوات والآن قَتلوا اثنين أشقاء من العائلة الثانية ثأراً لنجلهم».

ويضيف أنه بجانب جرائم الأخذ بالثأر، هناك اشتباكات يومية تصل إلى حد القتل، بسبب خلافات عائلية بسيطة أو خلافات بسبب طوابير المياه أو الخيام، متابعاً: «في الـ16 من أغسطس الماضي، وقع خلاف بين عائلتين في خانيونس عائلة نازحة من الشمال والعائلة الأخرى من سكان خان يونس الأصليين، بسبب خلاف بين طفلين وانتقل الشجار إلى الأبوين وبعدها تفاقم الأمر، ووصل الخلاف للعائلة وتحول لهجوم واشتباكات بين العائلتين وإطلاق نار متبادل أسفر عن إصابة أربعة أشخاص».

ويتابع المواطن الفلسطيني خلال حديثه لـ«كروم»، أن «كبار عشائر خان يونس تدخلت وحلّت الخلاف بشكل مبدئي عبر إبرام ما يُشبه الهدنة لفترة يطلق عليها بغزة (يأخذوا واجهة)، أي الابتعاد بشكل مؤقت ومحاولة حل الخلاف سلمياً، بعد أن تم إبعاد الطرفين الأساسيين في المشكلة عن المنطقة حتى تستقر الأمور بشكل نهائي».

ثم أوضح «أ» أزمة مماثلة وقعت في دير البلح التي تعيش وضعاً صعباً بعدما فاق عدد النازحين بها المليون إنسان، الأمر الذي خلق ضغوطات ضخمة على الأهالي بسببها وقعت مشاكل لأسباب تافهة مثل الأولوية في طوابير المياه والمسافات بين الخيام، مختتماً حديثه معنا بقوله «كل المشاكل الصغيرة يُمكن أن تكبر وتتحول إلى خلاف ضخم بين كبار العائلات، وحصيلة ضحايا هذا النوع لا يُمكن تحديد أرقامها في غياب الإحصائيات الرسمية لكن الأرقام كبيرة جداً».

مدينة حمد: اشتباكات ثأرية بين عائلتين

في السياق ذاته، يقول «ز. ب»، من مخيم الشاطئ بشمال غزة، الذي نزح لأكثر من مرة بين مدن الجنوب والآن في منطقة الأهرامات بخان يونس، إنه في منتصف أغسطس الماضي، وقعت اشتباكات أثناء اجتياح الاحتلال لمدينة حمد بين عائلة القطاطوة وعائلة بربخ لخلافات ثأرية تعود لأربع سنوات قبل الحرب، بعدما قتل شخص من عائلة بربخ فرداً من عائلة القطاطوة وتم الحكم عليه بالإعدام واعتقل على إثر جريمته.

لم يُنفذ هذا الحكم بعدما وقعت عملية طوفان الأقصى، فمنذ لحظاتها الأولى أفرجت حركة حماس عن جميع السجناء وكان من بينهم القاتل المحكوم عليه بالإعدام، لتقوم عائلة القطاطوة بقتله ومعه شقيقه عن طريق إطلاق النار عليهم ثأراً لنجلهم،  بجانب إصابة اثنين آخرين، وحتى اليوم لم يستطع أحد السيطرة على الموضوع والحادثة وكل يومين يتجدد الاشتباك بين العائلتين.

وأضاف «ب»، أنه قبل أشهر خرج شادي الصوفي المحكوم عليه بالإعدام بقضية قتل المناضل الفلسطيني جبر القيق، وكان مرتكب جريمة قتل أخرى ضد أحد أفراد عائلة شيخ العيد، وعقب خروجه تم استهدافه من قبل العائلة وإطلاق النار عليه ونشرت بعض مواقع التواصل الاجتماعي نبأ قتله، ولكنه أصيب فقط بعيار بالكتف والبطن وخضع للعلاج.

جرائم ثأر تعود للانتفاضة

فيما يقول «ر. ص» من شمال غزة، إنه عاصر مقتل 14 فرداً نتيجة جرائم ثأرية بسبب جرائم يعود بعضها إلى الانتفاضة الأولى، فيما وقع 21 قتيلاً نتيجة اشتباكات قتالية متبادلة بين العائلات.

ويتابع في حديثه لـ«كروم»، أنه في هذا الوقت تنشط القوانين العرفية من العادات والتقاليد المجتمعية بدلاً من غياب قوات الشرطة وحفظ الأمن..

ويضيف «ص»، أن عديداً من جرائم القتل تقع لأسباب إجرامية مثل محاولة سرقة شاحنات المساعدات أو السطو على المنازل، وهي أمور كان يُمكن السيطرة عليها لو لم تقع الحرب التي دمّرت الأجهزة الأمنية للسُلطة في غزة.

العشائر الفلسطينية بقطاع غزة: هذه الجرائم دخيلة على مجتمعنا

من جانبه قال عاكف المصري، المفوض العام للعشائر الفلسطينية في قطاع غزة، إنه للأسف الشديد وبفعل حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والمذبحة المستمرة  التي يتعرض لها أهلنا في قطاع غزة، والحصار الخانق المفروض على القطاع وفي غياب الأجهزة الشرطية ظهرت بعض الظواهر السلبية الدخيلة على مجتمعنا الفلسطيني ومنها ارتفاع في مستوى نسبة الجريمة والقتل والسرقة.

وتابع المصري في تصريحات خاصة لموقع «كروم»، «إننا ندين بشدة كل هذه الظواهر السلبية وندعو كل أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة إلى الالتزام بقيم وأعراف شعبنا و تقاليده الوطنية، وندعو شعبنا إلى عدم الوقوع في المخطط الإسرائيلي الذي يهدف إلى إثارة الفوضى والصراعات الداخلية، وذلك لإضعاف الجبهة الداخلية الفلسطينية».

باحث سياسي: حالات فردية جراء غياب الرادع

فيما يقول ثائر أبو عطيوي الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات في فلسطين، إن حالات القتل والأخذ بالثأر التي حدثت في بعض مناطق قطاع غزة تعتبر حالات شاذة عن القاعدة المجتمعية وكذلك مرفوضة، نظراً لأننا نعيش حالة حرب مستمرة وعدواناً متواصلاً من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مشدداً على أن المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة يرفض تلك الجرائم المجتمعية التي منها ما يسمى الأخذ بالثأر، لأنها تعد حالات فردية واستثنائية تكاد لا تكون مذكورة أو لها صدى في قطاع غزة، وينطبق على ذلك حالات الشجار والمشاكل المجتمعية التي تحدث بين السكان وينتج عنها ضحايا وقتلى.

ويتابع أبو عطيوي، «صحيح أنه قد حدثت حالات فردية واستثنائية خلال الأشهر السابقة، لكن ظهور تلك المشكلات أمر طبيعي في ظل اكتظاظ النازحين في خيام متلاصقة بجانب بعضهم البعض، ضمن مساحة جغرافية صغيرة، الأمر الذي يؤدي إلى الاحتكاك ونشوب الخلافات، في ظل تدهور نفسية النازحين في الحرب وتأثيرها السلبي على حدوث الخلافات واشتعال المشاكل لأسباب بسيطة، ويجعلهم أكثر عُرضة للانفعال.

واختتم أبوعطيوي تصريحاته لـ«كروم» قائلاً: «كل حالات القتل أو الأخذ بالثأر التي حدثت في بعض مناطق قطاع غزة تعتبر غريبة عن عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة وتعتبر حالات فردية استثنائية منبوذة ومرفوضة من الكل الفلسطيني، لأننا مجتمع يحتكم بالأصل للسلم الأهلي وعلاقات المودة والترابط بين كافة العائلات في قطاع غزة، ولكن نظراً لحالة الحرب والعدوان المتواصلين للشهر الـ11 على التوالي ونظراً لانعدام الأمن وتطبيق القانون، لا بد من حدوث اختراقات وتجاوزات من البعض ولكن شعبنا قادر على تجاوزها لأنها تجاوزات لا تمثل الكل الفلسطيني بل شاذة وتعد خارجة عن قيم وعادات المجتمع الفلسطيني». 

# طوفان الأقصى # حرب غزة

هاشم صفي الدين: القائد المنتظر الذي يخشى حزب الله غيابه
«حيفا»: قنبلة موقوتة تحتضنها إسرائيل
حسن نصر الله: الرجل الذي هز عرش إسرائيل

معرفة